ابو مـــايـــا مشرف ذهبي
عدد الرسائل : 16777215 العمر : 35 المزاج : ممتاز ورايق تاريخ التسجيل : 13/07/2008
| موضوع: ذكريات ما بعد الوداع الاخير ..................... الإثنين 14 يوليو 2008 - 19:09 | |
| بعد تلك الليلة التي اعلنت فيها الرحيل
واختصرت طقوس الوداع الاخير وافترقنا قائلة كن بخير عدت وانا اشعر كأن المدينة خالية من الناس لا اسمع الا وقع خطواتي ونبض قلبي ولا ارى الا شريط طويل من الذكريات يمتد عبر المدى بمدى العمر الذي قضيناه معا اقاوم الرغبة في البكاء واستنشق هواء رغبة التحدي ان ما مر مجرد هراء وباننا مستحيل ان نفترق اترقب ان يرن الهاتف وتخبرني ان الرحلة قد الغيت فاشعر كأني مريض في غرفة الانتظار وهناك من يخبره ان الطبيب الغى الموعد ورحل في مهمة فيتسائل في ذهول هل استطيع احتمال الالم فيدعو بالصبر الجميل
لقد كان ليل طويل تصورت انه لن ينتهي والشمس بدأت تشرق وانا ما ازال اتقلب ذات اليمين وذات الشمال مرة في برد الجفا ومرة في حر الشوق وعيناي مغمضتان ترفضان ان تعترفا بنهاية الحلم وقضيت اليوم في صلاة ودعاء ان يحفظها الله وان يصبرني فانا لا املك الا ان احبها وارى في قيد حبها مصدر حريتي اشعر انها قدري وفي المساء التالي
كل انواع المشاعر تتصارع مع قائمة الاسئلة فكنت محور الحديث بين القلب والعقل يقول عقلي اعترف انك تحبها ولكن ليس بالقدر الذي تحبك به فحبك لها يشبه حب الام لطفلها الوحيد تخاف عليه و تفديه وترى حياتها في استمرار حياته وحرصك عليها يشبه حرص الفقير على فتات الخبز لانه ذاق مرارة الجوع وخوفك عليها كخوف التاجر على ضياع راس ماله الذي افنى شبابه في جمعه اما هي فتراك أم متى ما شب تمرد على حضنها وحبها لك حب عاشقة ترى في كل رجل حبيبا وفتى احلامها علاقتها بك كعلاقة المريض بالدواء وحرصها عليك كحرص الخائف من الظلام على مصباحه فمتى ما اشرقت الشمس اهمله
ثم يتسائل بعنف يكاد يفجر راسي الصغير الى متى سيرحل بك الوهم اخشى ان تفيق وانت في صحراء الندم تحفر بئر السراب وتنتظر سحابة صيف الى متى تقبل فتات الحب وتقنع بوعد الانتظار فينتفض قلبي مزمجرا يكاد يحطم الضلوع لا تحاول فلقد اعلنت استسلامي ورفعت الراية البيضاء واعترفت بسلطانها علي وايقنت انها سبب نبضي وانها دم شراييني وانني بدون هذا النبض والدم لا أتستطيع ان أفكر وهكذا يمضي المساء حوار يتلوه مداولة واستعراض ادلة واستدعاء شهود وتاجيل واستئناف واعادة فتح القضية في غياب المتهمة والقلب محامي الدفاع وانا المجني عليه امارس الصمت والبكاء
الصباحات مملة وطويلة احاول الخروج من شرنقة التفكير بها فهي اصبحت جزءا من الهواء الذي اتنفسه وبطلة حكايات ويومي وكل الاشياء تخلع على نفسها الحنين اليها ثياب اللقاء ماتزال معلقة تترقب دخولها العطور واقفة لترحب بها احاول ان ابدأ يومي بدون ان تخطر على بالي فتنتابني عاصفة البكاء اغسل وجهي مرات ومرات وانا اتسائل ماالذي كان علي فعله ولم افعله لامنعها من الرحيل كنت دائما اصل الى جدار الصمت كلما تسابقنا في الحوار ما جدوى التشبث بالوهم والاصرار على السراب ونحن يقتلنا العطش
تتراقص الاشجار امام نافذتي تطربها اهازيج الرياح وتلوح باغصانها الى سحابة الصيف العابرة ينقلني منظرها الى محطة القطارات والايدي الملوحة بالوداع على امتداد الرصيف والصمت سيد الموقف الا من همسات وانين ونشيج خافت لا يقطعه الا صوت القطار وكأني ارى القطار يرحل بها وانا الوح بيدي كم تمنيت لو كان الوضع معكوسا وتمنيت ان ارى في عينيها رجاءا كالذي كان في عيني كم تمنيت ان تمد يدها لتاخذني معها او تعود بي فتذوب جبال الشك التي تراكمت في غيابها تمنيت ان ارى دمعة واقفة في احداقها وهي تلوح لي بالوداع امنيات فقط وها انا اقف وحدي احدث الريح انها امنيات لا اظن انها خطرت في بالها
لم اكن قبل اليوم تهمني قراءة الابراج ولا خطوط الفنجان ولا خطوط يدي
ولكن في هذا اليوم اراني مصرا على البحث عن البرج المفقود والحظ الموعود في صحف الصباح وشربت قهوتي ساخنة بعد ان كنا نشربها باردة يلهينا عنها شوق اللقاء
وحدقت في الفنجان وتتبعت الخطوط السوداء لعلها تقول شيئا او توحي باشياء وقلبت كفي ابحث عن مستقبلي معها فاستيقظت الاسئلة المعلقةعلى مشانق الصمت خرجت مشاعري في ثورة عارمة ضدها وضد ما تمارسه من ارهاب يثير الفوضى في عروقي وتخرج محولة علامات الاستفهام الى مطارق تدق بصوت عال صارخة اريد جواب فاشعر بالارهاق والاختناق اشعر بالغباء
في هذا اليوم صحوت على حقيقة الفراق لقد كنت واضحا معها اختصرت مشاعرها في كلمتين واوصتني بنفسي خيرا في كلمتين وانتهى وجودها من حياتي في كلمتين وكيف كان صمتي دفاعي الوحيد واحتجاجي الوحيد لاول مرة اشعر بعدم جدوى الكلام وان البركان الذي يتفجر لها حبا اعتلت قمته ثلوج الشتاء وان كل حفلات التوديع وانزال الاعلام وابواق الفراق لا تعدوا ان تكون تهريج لعلها المرة الوحيدة التي اكتشف حقيقة الوهم واننا اصبحنا غريبين على محطة قطارات الفراق احدهما اتجه شرقا والاخر غربا في خطين متوازيين لن يلتقيا ابدا هكذا شئت انتي ولم اشاء في هذا الصباح تفقدت وجهي الجديد اكتشفت ابتسامتي انا ودمعتي انا ورغبتي انا ولوني انا وذوقي انا وعطري انا ومشاعري انا فحتضنت نفسي ورايت العالم من جديد بعيني انا
وغضضت الطرف عن هذا الجرح الكبير الذي يشوه معالم وجداني وتركته للزمن ليكفنه بالنسيان......... | |
|